ويسألني عندما أَدخلُ المقهى : " كم شخض ؟ " أناظرُ حولي وأجيب : وحدي ، أنا وحُزني ومجموعة أوراقي القديمة ودُخان سجائري وضجري .
ضجري من هذا العالم الكئيب الحزين ، ضجري من وحدتي ومن ألمٍ في خافقي ، ضجري من نفسي فدُخانُ سجائري ضجر مني هوَ الآخر .
حاولتُ التغيير قليلاً فطلبتُ الشاي بدل القهوة لعلِّي أغير من طابع عزلتي قليلاً ، فوجدتُ نفسي تائهاً غريباً عن نفسي ، أضع قطعة السكر في كأس الشاي وأبدأ التحريك .. وأستمر .. وأستمر .. دونما توقف ، وكأني دخلتُ في دوامة الشاي والملعقة !
لم أستطع أن أكمل هذه المهزلة فالشاي لي مهزلة ! ، "فلتأتني بقهوتي" صرخت عالياً بغضب .
قهوتي .. تلك السوداء المُرَّة تماماً كواقعي ، لربما هذا هو سبب حبي لها ، فهي تشاركني باللون والطعم ، أرتشف منها قليلاً وأرجع خطوةً للخلف ، خطوة للماضي ، خطوة لألم في قلبي ، وحدها القهوة القادرة على تعكير صفو مزاجي ، وبالرغم من هذا فأنا أُحبها .
استيقظتُ صباحاً في هذا اليوم ، وصلتني منها رسالة صباحيَّة جعلتني أبتسم بعفوية .
عفويتي معها وصدقي في كل كلمة أقولها أمامها مما يجعلني براحة تامة ، لا تعقيد ولا تفكير متعب ولا تكبُّر ولا كذب ولا أي شكل من أشكال الخداع فقط العفوية .
عناق روحي لروحها وتداخل الروحين ما جعلَ قلبي ينبض بتوافقٍ مع نبضها الرقيق ، فكياننا واحد في الفردوس الأعلى الذي حملتني اليه بكل ما فيها .
ذهبت وذهَبَ قلبي يركضُ لاهثاً خلفها ، دونما لهفة منها أو رغبة لتواجدي ، سترجع في المساء ككل ليلة ، أنا على علمٍ بذلك ولكن الإنتظار يقتلني .
سئمتُ الإنتظار وأوجعني وغياب لهفتها للحديث معي ، غياب الرغبة بأن نكون معاً ، أعلم أنها تُحبني فروحي لا تملُّ من إخباري بذلك برغم شُح حديثها عن ذلك .
أضخُّها بالشعر ليلاً نهاراً والحُب في كل ثانية . أرسُمُ لها كلاماً من الياسمين ، أخترعُ لها أبجدية جديدة لتصف ولهي بها وهيامي بكيانها ، وهي كأنها لا تقرأ ، أميَّة أمام كل هذا رغم ثقافتها وعقلها .
جلستُ أنتظر ، فلا سبيل للقائها غير الإنتظار . أٌمسك رواية لتولستوي تارة وكتاب شعر لبوشكن تارةً أُخرى علَّني أقضي الوقت المتبقي للقائها بالقراءة ، أستمع للموسيقى الشرقية فنصير شمَّه وعوده يحملني بكل ضربة وتر لعالمٍ جميل .. في العادة ، إلا اليوم ، لأنني أنتظر .
لم أدرس الفيزياء أبداً ولا أعلم طريقة إثبات النظريات الفيزيائية رياضيَّاً ولطالما كرهت الرياضيات والأرقام ، لكن قد أصبح بإستطاعتي أن أثبت تلك النظريات بالحب وليس بالرياضيات .
فالنظرية النسبية مثلاً اجد إثباتها بعقارب الساعة التي تأبى أن تلتقي وكأن الثواني ساعات والدقائق أيام والساعات أسابيع .....
لكن أكثر ما يخيفنني هو القانون الثالث لنيوتن الذي ينص على أنَّه " لكل فعل قوَّة رد فعل مساوي له في المقدار ومضاد له في الإتجاه" .
فكلما رغبتك أكثر رأيت منكِ الضد ، وكلما أحببتُك أكثر زاد كرهكِ لي ، وكلما أقتربت أكثر زاد إبتعادك عني وزادت المسافة بيننا ، هل من الممكن ؟! فالحب قوًَّة هو اللآخر ؟ّ وليسَ بأي قوة .
لم تمر إلا دقائق وأنا أقرأ وإذ بي أضجر ، وليست عادتي أن أضجر من قراءة اي كتاب مهما كان محتواه .
نظرتُ من نافذتي للسماء ورغم عدم إيماني بالقدر ، إلَّا أنني رجوت السماء أن تكون هيّ قدري ، وتُرسل إليَّ بمعجزة ما ، فأنا الآن اطرق كل الأبواب وأحاول كل السبل للقائك .
تعريت تماماً من كل ملابسي ورميت نفسي تحت الماء لدقائق ، أرتديت أجمل ملابسي ووضعت أجمل عطوري ، وحملتُ مجموعة أوراقي وقلمي وسجائري وخرجت .
وها أنا أكتب الآن هذه الخاطرة في المقهى وحدي ، أنا وقهوتي وسجائري ، وطلبت فنجانين من القهوة واحدٌ لي وآخرَ لروحك الحاضرةَ في المكان ، لروحك التي تجلس أمامي في هذهِ اللحظة ، حتى أن تلك المرأة التي امامي شَعَرَت بعدم الإرتياح من نظراتي فهي تحسبني أناظرها ، لكنها لا تدري أني أناظر روحك التي تقابلني وتشرب القهوة معي .
أحبك بروحك ، بجسدك الحاضر في مكانٍ آخر ، بلهفتكِ الغائبة، وبشحبح كلام الحب تجاهي ، وبقليل رغبتك بي .
ليث طوالبه